( معلق أنا على باب المشفى ،
و جبهتي لسكرات الموت محنية ،
لأنني لم أحنها بالذل حية ،
حاولت استبيان صورتي المنعكسة على زجاج النافذة المقابلة ،
أرى رأسي تتدلى على صدري ،
صرخ في وجهي من خلف كمامته البيضاء ،
قبل أن يغرس مشرطه بين أحشائي )
ـ زنديق ، مارق ،
تخطيت كل الخطوط الحمراء ...( تذكرت ما حدث ،
خيمت على قلبي الشكوك ،
عندما جن الليل ،
تسللت بين طرقات المشفى ،
تتبعت نقاط النزف الحمراء المتناثرة هنا و هناك ،
اختبأت بين مئات الثلاجات ،
رأيت بعيني إحدى ملائكة الرحمة ،
تخرج من إحداها بقايا من أعضاء الصغار ،
تلقيها هناك للجياع من كلاب الأغنياء ،
حاولت منع الغضب الذي تأجج بصدري ،
فشلت ، فصرخت )
ـ يا من لا تملكون ذرة رحمة ......
( لم أكمل بعدها كلمة واحدة ،
دقة قوية اخترقت رأسي ،
فقدت الوعي ،
ساعات مرت أم أيام و سنوات ؟
أفقت لأجدني هكذا ، معلق فوق هذا الباب ،
عبرة لمن من الفقراء يعتبر ،
نظرت لصورتي هناك ،
وجدتني مجوف البطن بلا أحشاء ،
لافتة مقلوبة الكلمات شنقت إلى جواري ،
حاولت فك رموز ( شفرة دافنشي ) ،
من اليسار لليمين ،
ذ خ
ن ا ت ع ط ق
و
ة ث ل ا ث ل ا
ا ن ا ج م
حاولت النظر لأسفل ،
أتفقد هؤلاء الذين تجمهروا أمام الباب ،
لعل صوتي يصل إليهم ، صرخت )
ـ يا من تصطفون على باب المشفى ،
مطأطئي الرؤوس ،
تنتظرون دوركم كي تبيعوا أعضائكم لمن يدفع بالدولار و الدرهم و الريال ،
لا تخافوا ... و لترفعوا أعينكم إلي ،
لأنكم مشنقون إلى جانبي ... ،
فلترفعوا عيونكم إلي ،
لربما .. إذا التقت عيونكم المكحلة بذل الفقر في عيني ،
يخرس الألم بجانبي ... لأنكم رفعتم رأسكم .. مرة ،
يا من ولدتم في مخادع الرقيق ،
إياكم أن تتألموا من شدة الجوع ،
فصوت قرقرة أمعائكم تجذب كلاب أسيادكم ،
إياكم أن تقولوا و لو مرة واحدة ( لا ) ،
و لترفعوا عيونكم للاعتراض المشنوق فوق الباب ،
فسوف تنتهون مثلي غدا ،
فما نحن إلا قطعة غيار ،
و الجزار ينتظر الإشارة ،
و ودعوا زوجاتكم قبل الخروج كل صباح ،
إني تركت زوجتي بلا وداع ،
و إذا رأيتم طفلي على ذراعها بلا ذراع ،
فعلموه الانحناء ،
نعم ،
علموه الانحناء ،
إذا ما رأى اللصوص يقتبسون من جسده الأعضاء ،
فأمروه بالتزام الصمت و علموه الانحناء ،
انصحوا له أن يحافظ على ما تبقى من حياته ،
فالدين النصيحة ،
و ليحيا محاولا إخفاء الفضيحة ،
حتى و لو بفص من كبد أو نصف كلية ،
و لينحني كل صباح ليلثم أيدي الأغنياء ،
و إذا ما تجرعوا دمه في كبرياء ،
فليدعوا لهم بالهناء و الشفاء ،
فلا أمل هناك ،
أيها الأغبياء ،
لا ترهقوا أنفسكم و تذهبوا لمستوصف بعيد ،
فخلف كل جزار يموت ،
جزار جديد ،
و خلف كل فقير معلق على الأبواب ،
أحزان تموت ،
و دموع مهما سالت أنهارا ،
سيأتي يوما تجف ،
يا سيدي ، يا من ورثت عن أبيك الحكمة ،
يا كبير ملائكة الرحمة ،
لقد أخطأت في حقك .. إني أعترف ،
أرجوك ،
دعني معلق ـ على باب زويلة ـ ألثم كفك المنقوش بدماء أطفالي كل مساء ،
امنحني شرف تقبيل نعل حذائك ،
أمحو ما به من نجاسة،
فلقد أخطأت في حقك يا ملك النخاسة ،
دعني أكفر عن خطيئتي ،
فلقد غوتني مبادئي البالية فلم أسن لك القوانينا ،
فعلى الأقل اجعلني ممن يسن لك السكاكينا ،
و لكن أرجوك و كلي رجاء ،
إن كنت مصرا على بيع كل ما يقع تحت يديك من أعضاء ،
أن ترحم صغار الفقراء ،
فلقد شدوا الأحزمة على بطونهم في وضاعة،
و العالم أمسى على أبواب المجاعة ،
أما أنتم يا من تقفون على الباب ،
مطأطئي الرؤوس ،
لا ترهقوا أنفسكم و تذهبوا لمستوصف بعيد ،
فخلف كل جزار يموت ،
جزار جديد ،
يلمع بين يديه منجلا من حديد ،
و إن رأيتم في الطريق ،
مبعوث لجان حقوق الرقيق ،
فأقرئوه مني السلام ،
و أخبروه أني انتظرت طويلا طويلا ،
فقد مر ألف أمس و يوم و غد ،
و لم يأت كما بالأمس قد وعد ،
و إذا رأيتم طفلي النحيف ،
يجلس إلى الرصيف ،
يستجدي كسرة من رغيف ،
فعلموه أن يبيع ما تيسر له من أعضاء ،
فإن لم يقبل بها النخاس لوهن أو لداء ،
فعلى الأقل علموه الانحناء ،
علموه الانحنــــاء ،
علموه الانحنــــــــــاء ،
علموه الانحنــــــــــــــــــاء